المجتمع والمطلقات.. نظرة في حاجة إلى إعادة النظر
المطلقة تلازمها نظرة سلبية طوال حياتها في الدول العربية، والمجتمع يحملها مسؤولية هدم الأسرة وتفتيت كيانها.
يُنظر للمطلقات في مجتمعاتنا العربية نظرة سلبية تلازمهن طوال حياتهن،
وتنطوي هذه النظرة على تحميل المرأة الجرم الأكبر في قرار الانفصال، وأنها
السبب الأول في هدم الأسرة وتفتيت كيانها متناسين أن قرار الطلاق هو قرار
مشترك بين الرجل والمرأة قد يتخذه أحدهما جراء نتائج وأسباب ساهم فيها
الطرف الآخر.
قد يكون الطلاق أهون عند المرأة من نظرة المجتمع
إليها، فالكل يتجنبها والكل يبخسها حقها والكل يسعى لظلمها ولا نعرف
السبب، هل لكونها امرأة في مجتمع شرقي؟ أم لأنها الأضعف؟
وتكمن مصيبة المرأة المطلقة في أنها الوحيدة التي تشعر وكأنما الناس قدتحالفوا ضدها.
أمثلة لا تعدّ ولا تحصى من النساء اللاتي تعرضن لأبشع صور الذل وسلب الحقوق.
وقد
يتحول الطلاق خاصة مع الزوجات الصغيرات إلى ظاهرة تجعل من الأسرة كائناً
هشاً، وتنعكس آثارها على المجتمع بأكمله ليتحول إلى مجتمع ضعيف لا يستطيع
حماية أفراده أو تقويمهم في ظل زيادة نسبة التفكك التي تحدث بسبب الطلاق
الذي ارتفعت نسبته عربيا خلال الـ 50 عاما الماضية طبقا لإحصائيات دولية
لمنظمات حقوقية.
وتتراوح النسبة الأكبر من المطلقات بين
المتزوجات حديثا ممن تتراوح أعمارهن بين العشرين والثلاثين، وهو ما يدعونا
للتوقف لدراسة هذه الظاهرة.
فربما تكون تجارب المطلقات
الصغيرات مفتاحا للوقوف على أسباب ظاهرة الطلاق المبكر، ورغم أن كثيرا من
التجارب كانت مبنية على حبّ إلا أن رصاصة الطلاق كانت الحل الأرحم والبديل
لاستمرار نزيف المشاعر الإنسانية تحت سقف مهدد بالانهيار.
ويرى
الدكتور مهاب نور الدين استشاري الطب النفسي أن الجهل والفقر أو حتى
الرفاهية الزائدة عن الحد اللازم قد تكون عوامل مساعدة على حدوث الطلاق
وليست أسباباً رئيسية، قائلا: “إن الطلاق المبكر ناتج عن زواج مبكر وهو
يعني أن الزوج والزوجة قد يكونان في سن صغيرة وهو ما يعني انعدام الخبرة
الحياتية وخاصة إن كان سن الزواج مبكرا، أما إذا كانت الزوجة صغيرة والزوج
يكبرها بسنوات كثيرة فليست هناك مشكلة فقد تمر سفينة الحياة بسلام؛ لأن
الرجل هو رمز المسؤولية والعطاء ورمز القدوة في أسرته فيستطيع بخبرته
وفطنته تجاوز بعض المشكلات والخلافات التي قد تطرأ على الحياة الزوجية.
من
جانب آخر يشير الدكتور شهاب إلى أن الضغط النفسي على الفتاة لقبول الزواج
يتسبب في حدوث القلق والتوتر، لها فيغلق عليها دائرة الاختيار بين البدائل
فتندفع إلى الزواج وتفشل، وإن كان ذلك الأسلوب يرجع إلى المستوى الطبقي
والثقافي للأسرة.
ويقول الدكتور هاشم صالح خبير العلاقات
الاجتماعية: إن المرأة تعيش حالة من النظرة الدونية، تسللت إلى المجتمع من
الثقافة الموروثة والعادات والتقاليد التي تظلمها.. إنّ أحد أسباب النظرة
الذكورية تجاه الأنثى تكمن في قصة بداية الخلق، إذ أنهم يعتقدون أن الله
تعالى قد خلق آدم، ونفخ الروح فيه، وعلّمه الأسماء، وحوّاء لم تُذكر في
القرآن، وأنّ القرآن وضع نظرية للخليقة بشكل عام؛ ولذلك أرى أن المطلقة هي
جزء لا يتجزأ من المجتمع، ويجب على الكل التفاعل معها بالشكل السليم وليس
بالنظرات الغريبة وكأنها المذنبة؛ كون الخلل أساسا في أساس التربية
الأسرية، حيث يسمح مجتمعنا بالتمييز في التعامل والتصرفات بين الشباب
والفتيات، فأصبحت الفتاة مهضومة الحق مغلوبة على أمرها حتى وإن كانت هي
المحقة، وينبغي على الجيل الحالي من النساء والرجال العقلانيين تربية الجيل
القادم لتخطي كل ما من شأنه التمييز والتفريق غير الشرعي بين النساء
والرجال من تصرفات أو أخطاء. وترى الدكتورة مها إبراهيم اختصاصية نفسية أن
نظرة المجتمع للمرأة المطلقة وكأنها اقترفت جريمة في حياتها؛ ولذلك يجب أن
تهمل وتجلس في البيت حتى تتجنب أقاويل الناس؛ ولذلك أرى أنه من الضروري
العمل على تعليم المرأة ورفع مستوى ثقافتها.
وأن تحرص في
زواجها على أن يكون اختيارها للشريك صائبا ولا تسعى وراء الرجل الثري فقط،
بل في المقام الأول تبحث عن الرجل المتعلم والمثقف وصاحب الأخلاق الكريمة،
وأخاطب الرجل أيضا الذي يتسرع في اتخاذ أمر الطلاق ولا يمنح نفسه فرصة
للتفاهم مع زوجته، فلابد أن يفهم معنى الحياة الزوجية القائم أولا على
الاحترام والحب والتفاهم..
وأتمنى أن تكون الشاب مخلصاً
في اختياره للزوجة ويكون لديه قناعة كبيرة بأن هدفه هو البيت المستقر
والأسرة المترابطة والحياة السعيدة وأن يكون مسؤولا عن هذه الأسرة ولا
يتواكل على زوجته بل يكون هو المنفق عليها.
|
0 التعليقات: